تقارير وتحقيقات
مصحات الإدمان غير المرخّصة.. خطر صامت يهدد المرضى واستغلال لمعاناة الأسر
في ظل الزيادة الملحوظة في أعداد الراغبين في العلاج من الإدمان، برزت ظاهرة خطيرة تمثل تهديدًا مباشرًا لحياة المرضى، تتمثل في انتشار المصحات غير المرخّصة التي تعمل خارج الإطار الطبي والقانوني، ويديرها أشخاص غير مؤهلين علميًا أو مهنيًا، مستغلين يأس بعض الأسر وسعيها السريع لإنقاذ أبنائها.
هذه الأماكن، التي تُقدَّم على أنها مراكز علاج وتأهيل، تحوّلت في العديد من الوقائع إلى بؤر لانتهاكات جسيمة، بعيدًا عن المعايير الطبية والإنسانية، ما يفتح الباب أمام تساؤلات جدية حول ضعف الرقابة وأهمية رفع الوعي المجتمعي بمخاطر اللجوء إلى هذه المصحات.
تحذير طبي واضح
حذّر الدكتور جمال فرويز، استشاري الصحة النفسية، من خطورة هذه الظاهرة، مشيرًا إلى أن عددًا من المصحات غير المرخّصة يديرها شباب يدّعون التعافي من الإدمان، دون امتلاك أي خبرة علمية أو تأهيل طبي، ويستغلون حاجة الأسر لعلاج أبنائهم بأي وسيلة.
وأوضح فرويز أن هذه الأماكن لا تخضع لأي إشراف طبي متخصص، وتعتمد في تعاملها مع المرضى على العنف الجسدي والحبس القسري، وهو ما ظهر جليًا في شهادات نزلاء تمكنوا من الهروب وكشفوا ما يتعرضون له من انتهاكات.
غياب العلاج العلمي
وأكد استشاري الصحة النفسية أن القائمين على هذه المصحات يفتقرون للمعرفة بأساليب علاج الإدمان الحديثة، خاصة في ظل انتشار أنواع جديدة من المخدرات لا يمكن التعامل معها إلا عبر بروتوكولات طبية دقيقة.
وأشار إلى أن إجبار المدمن على العلاج دون إرادته قد يؤدي إلى عواقب وخيمة، مستشهدًا بحوادث مأساوية وقعت داخل بعض المصحات غير المرخصة، من بينها واقعة إطلاق نار داخل مصحة بمحافظة الإسماعيلية، فضلًا عن حالات وفاة نتيجة سوء المعاملة أو الإهمال واليأس.
لماذا ترتفع تكلفة المصحات المرخّصة؟
وبيّن فرويز أن الفارق في التكلفة بين المصحات المرخّصة وغير المرخّصة يعود إلى ارتفاع كلفة العلاج الطبي والنفسي السليم، موضحًا أن منظمة الصحة العالمية تصنّف الإدمان كمرض مزمن قد يكون قاتلًا إذا لم يُعالج بشكل علمي وإنساني.
الإرادة نصف طريق التعافي
وشبّه فرويز الإدمان بـ«أنبوب يدخل فيه الشخص بإرادته، لكن الخروج منه شديد الصعوبة»، مؤكدًا أن نجاح العلاج يعتمد بنسبة كبيرة على رغبة المدمن واعترافه بحاجته للعلاج، إلى جانب الدور الحيوي للأسرة في الدعم والاحتواء النفسي.
وشدد على أن العنف، أو الحبس، أو التكذيب المستمر من الأسرة يفاقم الأزمة، لأن المدمن يحتاج إلى التفهّم والشعور بالأمان، لا إلى القسوة والضغط.
أنماط الشخصيات ونِسَب الشفاء
وأوضح فرويز أن للمدمنين أنماطًا نفسية مختلفة تؤثر على طرق العلاج ونِسَب التعافي، من بينها الشخصية الاكتئابية التي تُعد من أسهل الحالات في العلاج، والشخصية السلبية الاعتمادية، والشخصية الحدّية، وصولًا إلى الشخصية السيكوباتية التي تُعد الأصعب في الاستجابة للعلاج.
رسالة تحذير للأسر
واختتم استشاري الصحة النفسية حديثه بالتأكيد على أن الإدمان غالبًا ما يكون نتيجة اضطرابات نفسية عميقة، وأن حبس المدمن أو تعنيفه لا يؤدي إلا إلى تدهور حالته وزيادة خطورته على نفسه وعلى من حوله.
وأكد أن العلاج القائم على الفهم والاحتواء هو الأساس، محذرًا من أن سوء المعاملة قد يقود إلى نتائج مأساوية، مشددًا على أن الإدمان مرض يحتاج إلى علاج علمي وإنساني، لا إلى استغلال أو عنف، ومع تزايد المصحات غير المرخّصة، تتعاظم الحاجة إلى وعي مجتمعي ورقابة صارمة لحماية المرضى وضمان حقهم في علاج آمن وكريم.