فن وثقافة
فيلم «الست» يعيد الجدل حول تجسيد أم كلثوم فنيًا وتاريخيًا
يتواصل الجدل حول فيلم «الست» على منصات التواصل الاجتماعي، بين من يراه محاولة فنية جديدة لتقديم سيرة كوكب الشرق أم كلثوم، ومن يعتبره عملًا يفتقر إلى الدقة التاريخية ويقدم صورة مثيرة للجدل عن واحدة من أهم أيقونات الغناء العربي. ويبدو أن هذا الانقسام ليس استثناءً، بل قاعدة شبه ثابتة في كل عمل يتناول السيرة الذاتية لشخصيات عامة، خاصة إذا كانت بحجم وتأثير أم كلثوم.
وباعتباره أول عمل سينمائي يتناول شخصية كوكب الشرق منذ تسعينيات القرن الماضي، واجه فيلم «الست»، من تأليف أحمد مراد وإخراج مروان حامد، انتقادات واسعة تتعلق بالمعالجة الدرامية، واختيارات السرد، وطريقة رسم ملامح الشخصية الرئيسية. هذا الجدل أعاد إلى الأذهان العاصفة التي صاحبت عرض مسلسل «أم كلثوم» الشهير، الذي كتبه محفوظ عبدالرحمن وأخرجته إنعام محمد علي، وجسدت فيه الفنانة صابرين شخصية أم كلثوم.
وشهد المسلسل آنذاك اعتراضات من أطراف متعددة، كان أبرزها اعتراض ابنة المطربة أسمهان، التي طالبت رسميًا بحذف أي ذكر لوالدتها من الأحداث، ووجهت خطابًا إلى وزير الإعلام في ذلك الوقت صفوت الشريف. وأسفر هذا الاعتراض عن حذف الخط الدرامي المتعلق بأسمهان بالكامل، رغم الاتفاق المبدئي على تجسيد الشخصية من خلال الفنانة مادلين طبر.
كما شنّ المهندس محمد الدسوقي، ابن شقيقة أم كلثوم، هجومًا حادًا على المسلسل، معترضًا على ما وصفه بالأخطاء التاريخية والاعتماد على معلومات غير دقيقة. وفي عنوان نشرته صحيفة «الوفد» بتاريخ 28 ديسمبر 1998، أعلن الدسوقي رفضه للعمل، مؤكدًا أنه أرسل إنذارين رسميين لوقف التصوير بسبب ما اعتبره إساءة لصورة كوكب الشرق.
وأوضح الدسوقي أنه كان قد اتفق مع الكاتب محفوظ عبدالرحمن على عقد جلسات تشاور حول تفاصيل حياة أم كلثوم، إلا أن هذا الاتفاق لم يُنفذ، ما أثار قلق الأسرة بشأن مضمون العمل. وفي حوار مع مجلة «المصور»، عبّر عن عدم ثقته في المعالجة الدرامية، معتبرًا أن تجاهل التواصل مع الأسرة يعكس نية تمرير تفاصيل مثيرة للجدل دون مراجعة.
وفي سياق متصل، انتقدت صحيفة «الحياة» في مقال نشر بتاريخ 4 فبراير 2000، تقديم أم كلثوم بصورة مثالية مفرطة، معتبرة أن العمل قام بـ«تعقيم» حياتها، وتجاهل إبراز الجوانب الإنسانية ونقاط الضعف، التي لا تنتقص من عظمة الشخصيات التاريخية، بل تمنح أعمال السيرة الذاتية قدرًا أكبر من الصدق والمصداقية.
ولم تقتصر الاعتراضات على أسرة أم كلثوم وحدها، إذ عبّرت أسرة الملحن الراحل محمد الموجي عن استيائها من تغييب اسمه ودوره في المسلسل. ففي حوار نشرته جريدة «الجمهورية» بتاريخ 15 يوليو 1999، اعتبر الموجي الصغير أن تجاهل والده إقصاء متعمد، ملوحًا باللجوء إلى القضاء ما لم يتم تعديل الأحداث.
ويعكس الجدل المتجدد حول فيلم «الست» أن تقديم السير الذاتية لرموز فنية بحجم أم كلثوم يظل مهمة شائكة، تتقاطع فيها الرؤية الإبداعية مع الذاكرة الجماعية وحقوق الورثة، في معادلة معقدة يصعب فيها الوصول إلى عمل يحظى بإجماع كامل.