تقارير وتحقيقات
سمّ أغلى من الذهب.. كيف حوّل مهندس مصري العقرب من خطر قاتل إلى كنز طبي
في قلب الصحراء المصرية، حيث الصمت يسبق الخطر، يخوض قلة من البشر مغامرة لا تشبه أي مهنة تقليدية. هناك، لا تُقاس الشجاعة بالقوة، بل بالدقة والمعرفة، ويصبح العقرب – رمز الرعب – ثروة علمية واقتصادية مهملة. وسط هذا العالم الغامض، يبرز اسم المهندس محمد بشته، رائد الأعمال المتخصص في استخلاص سموم العقارب والثعابين، كأحد الرواد الذين اقتحموا واحدة من أخطر وأندر المهن في مصر.
العقرب المصري.. ثروة مهملة وسم قاتل
يؤكد محمد بشته أن العقارب تمثل أحد أهم الموارد الطبيعية غير المستغلة في مصر، رغم امتلاك البلاد أنواعًا من أخطر العقارب عالميًا. ويوضح أن خطورة العقرب المصري لا تعود إلى حجمه أو شكله، بل إلى قوة سمه وارتفاع تركيزه، ما يمنحه قيمة علمية واقتصادية استثنائية.
سم أغلى من الذهب
بحسب بشته، يصل سعر جرام سم العقارب عالميًا إلى نحو 16 ألف دولار، ليصبح أغلى من الذهب، نظرًا لاستخدامه في تصنيع الأمصال والأبحاث الطبية المتقدمة، خاصة في مجالات علاج الأورام وأمراض الأعصاب، ما يجعل هذا السم ثروة حقيقية يمكن أن تضع مصر على خريطة الصناعات الحيوية.
الصدفة التي فتحت باب الخطر
لم يكن دخول هذا العالم المخيف مخططًا له. فخلال دراسته بكلية الآثار في جامعة الفيوم، وأثناء إحدى الرحلات البحثية، صادف بشته عقربًا مصريًا، لتبدأ رحلة تساؤل وبحث أعادت إلى ذهنه المقولة الشهيرة: «سم العقارب أغلى من الذهب»، ومن هنا بدأ الفضول العلمي يقوده إلى طريق لم يكن يعرف عنه سوى التحذيرات.
10 سنوات من التعلم والمجازفة
يصف بشته رحلته بأنها طويلة وشاقة، استغرقت نحو 10 سنوات من التعلم والتجربة بالتعاون مع صيادي عقارب محليين. خلال هذه السنوات، تعلّم سلوك العقرب وأوقات نشاطه وأخطر لحظاته، مؤكدًا أن أي خطأ بسيط في التعامل معه قد يكون قاتلًا.
جهاز لاستخلاص السم دون قتل
بعد سنوات من الخبرة، نجح بشته في تطوير جهاز خاص يعمل على تحفيز العقرب كهربائيًا لاستخراج السم بطريقة آمنة نسبيًا دون قتله. ويُجمع السم في صورة سائلة، ثم يُجفف بعناية فائقة ليصبح مسحوقًا جاهزًا للاستخدام في الأبحاث الطبية أو تصنيع الأمصال، وفق معايير دقيقة بسبب شدة خطورته.
بين العلم والمخاطرة
يشدد بشته على أن هذه المهنة ليست مغامرة عشوائية، بل علم دقيق يتطلب تدريبًا طويلًا ومعرفة بيولوجية عميقة، إلى جانب التزام صارم بإجراءات السلامة. ويؤكد أن مصر تمتلك كنزًا حقيقيًا في هذا المجال، لكنه لا يزال غير مستثمر بالشكل الأمثل.
رسالة تتجاوز المال
ورغم خطورة المهنة، يوضح بشته أن دافعه لم يكن المال فقط، بل تحويل الخطر إلى فائدة، واستغلال مورد طبيعي مهمل في إنقاذ الأرواح ودعم البحث العلمي. ويختتم حديثه قائلًا:
«العقرب مش مجرد كائن مخيف.. هو معمل دوائي صغير، لكن المشكلة إننا لسه مش شايفين قيمته الحقيقية».