مقالات
”مو صلاح”.. حدوتة مصرية
أتفهم جيدًا عنصرية وغل الإنجليز تجاه الملك المصري محمد صلاح بعد مشوار حافل بالنجاح والإنجاز والتتويج مع فريق وجمهور ليفربول، لكن ما أثار حيرتي واستغرابي هو الغل الذي يظهره بعض أبناء جلدته من المصريين تجاهه، والشماتة الواضحة في تعليقاتهم القاسية.
بعض المصريين يحملون "صلاح" مسؤولية فشل المنتخب على مدار عشر سنوات سابقة، وكأنه هو من يدير اتحاد الكرة منفردًا، وجميعنا نعلم من يتحمل مسؤولية فشل الملف الرياضي بأكمله، ومع ذلك يعولون على أداء "صلاح" مع المنتخب، فهل لهؤلاء أن يقولوا بربهم كيف يلعب لاعب دولي؟ الإصابة التي يمكن أن يتعرض لها قد تكلفه حياته ومشواره الرياضي كله، فكيف يجري في الملعب بجانب لاعبين لا يستطيع حتى الركض معهم، لهم أسلوب تدريبي وفني مختلف ومستوى مختلف بفارق 180 درجة.
إخفاق مصر رياضيًا ونجاح صلاح عالميًا ليس ذنبه، ولا أستوعب كيف يتحول نجاحه إلى مادة للغل لدى بعض متابعيه، على الرغم من أن سمعة الرجل في قريته يشيد بها القاصي والداني لما يقدمه من خير ومعروف عن طيب خاطر، وكرد جميل لم ينله يومًا، فهو يشعر بالامتنان لأهل بلدته على الحب والدعم والحفاوة، وربما كان ذلك مشروطًا بإنفاقه على كثير من المشروعات الخدمية والإنسانية لأهل القرية.
ولكن آخرين من ربوع مصر لم يتعرفوا عليه عن قرب، فكيف لهم أن يحكموا عليه وينصبوا له المشانق؟ لمجرد أنه نجح في الخارج ولم ينجح في مصر، وبالنظر إلى الخارج ستجد أن المنظومة بأكملها ناجحة، وبذلك فهو فرد من منظومة توفرت لها مقومات النجاح مع توفيق الله، وحقق أكثر مما تمنى، فمن الظلم أن نمد أيدينا بسكين بارد لنزيد معاناته في محنته، إن كانت هناك محنة من الأساس، فهو لم ولن يخسر، لأنه أصبح ملكًا بالفعل.
فعندما خرج صلاح واحترف دوليًا لم يكن النجاح له فقط، بل أصبح يُعرف بالملك المصري، فهو حدوتة مصرية فريدة في المجال الكروي، كما هو الحال مع أي ناجح في أي مجال آخر، تاريخه ليس له وحده بل هو جزء من تاريخ مصر الحديث في الشأن الرياضي، ومن أبناء مصر الشرفاء الذين جاؤوا من أقصى القرى حاملين أحلامهم على أكتافهم وملء أعينهم العزيمة لتحقيق ما تمنوا، هذا النجاح إرث لنا قبل أن يكون لأحد.
كفاكم غلًا على الناجح فينا، وحاولوا أن تحققوا النجاح بمجهودكم وسعيكم، فالمجتمع يحتاج إلى دعم وتشجيع أولئك الذين يرفعون اسم مصر عاليًا، لا إلى الانتقادات التي تحبط الطاقات وتحد من الطموح.