مقالات
رفاعي السنوسي يكتب: النظام الانتخابي بين الواقع والمأمول
تُعدّ الانتخابات أحد أهم ركائز أي نظام ديمقراطي حقيقي، فهي الأداة التي يعبّر بها المواطن عن إرادته ويشارك من خلالها في صناعة القرار العام. غير أن الواقع الانتخابي في مصر، وبخاصة في صعيد مصر، شهد في الدورات الانتخابية السابقة اختلالات واضحة أثّرت سلبًا على نزاهة العملية الديمقراطية ومصداقيتها، وفي مقدمة هذه الاختلالات عاملان لا ثالث لهما: المال السياسي والقبَلية.
لقد تحوّل المال السياسي في كثير من الأحيان إلى وسيلة لحسم النتائج قبل فتح صناديق الاقتراع، مستغلًا حاجة بعض الفئات الفقيرة للمال أو الخدمات، فانتشرت ظاهرة شراء الأصوات والذمم، وأصبح الصوت الانتخابي سلعة تُباع وتُشترى بدلًا من كونه أمانة وطنية ومسؤولية أخلاقية. وفي المقابل، لعبت القبلية دورًا مؤثرًا، حيث صوّت البعض بدافع الانتماء العائلي أو القبلي، لا على أساس الكفاءة أو البرنامج الانتخابي، مما أفرز ممثلين لا يعكسون بالضرورة طموحات المواطنين أو احتياجاتهم الحقيقية.
هذه الممارسات لا تضر فقط بمبدأ تكافؤ الفرص بين المرشحين، بل تُفرغ العملية الديمقراطية من مضمونها، وتُضعف ثقة المواطن في جدوى المشاركة السياسية.
كما أنها تعيق بناء دولة المؤسسات والقانون، وتُرسّخ ثقافة المصالح الضيقة على حساب المصلحة العامة.
ومن هنا، تبرز الحاجة الملحّة إلى تدخل حاسم من الدولة، بقيادة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، لاتخاذ حزمة شاملة من الإجراءات القانونية والتشريعية والتنفيذية لتصحيح مسار الديمقراطية في مصر. ويشمل ذلك تشديد العقوبات على جرائم شراء الأصوات واستخدام المال السياسي، وتفعيل آليات الرقابة والمتابعة خلال العملية الانتخابية، وضمان نزاهة الدعاية الانتخابية وعدالتها.
كما لا يقل أهمية عن ذلك دور التوعية المجتمعية، عبر الإعلام والمؤسسات الدينية والتعليمية ومنظمات المجتمع المدني، لترسيخ ثقافة سياسية قائمة على الاختيار الواعي، واحترام القانون، والإيمان بأن الصوت الانتخابي هو حق وواجب، لا وسيلة للكسب المؤقت.
إن المأمول من النظام الانتخابي في مصر هو أن يعكس الإرادة الحقيقية للشعب، وأن يُفرز ممثلين قادرين على التشريع والرقابة وخدمة المواطنين بصدق وكفاءة. ولن يتحقق ذلك إلا بتكاتف جهود الدولة والمجتمع معًا، لمواجهة المال السياسي والعصبية القبلية، وبناء ديمقراطية حقيقية تليق بمصر وتاريخها وتضحيات أبنائها