تقارير وتحقيقات
الأم قدوة الطفل الرقمية: كيف يؤثر استخدام الأجهزة الإلكترونية على سلوكيات الأطفال؟
في عصر تتسارع فيه وتيرة التكنولوجيا وتغزو الشاشات تفاصيل الحياة اليومية داخل البيوت، لم يعد تأثير الأجهزة الإلكترونية مقتصرًا على الكبار فقط، بل امتد ليشكل وعي الأطفال وسلوكياتهم منذ سنواتهم الأولى.
وتلعب الأسرة دورًا محوريًا في التنشئة الاجتماعية، وتبرز الأم بوصفها النموذج الأول الذي يراقبه الطفل ويقلده، سواء في الأفعال أو أنماط الاستخدام اليومي للتكنولوجيا الحديثة، ما يفتح بابًا واسعًا للنقاش حول مسؤولية الأسرة في ضبط علاقة الأطفال بالعالم الرقمي.
استخدام الأجهزة الإلكترونية:
أكدت الدكتورة أمل شمس، أستاذ علم الاجتماع، أن الأم تُعد القدوة الأولى للطفل في استخدام الأجهزة الإلكترونية، مشيرة إلى أن الطفل بطبيعته كائن مُقلد يتأثر بالسلوكيات التي يراها داخل الأسرة. وأشارت إلى أن الاستخدام المفرط للهاتف المحمول أو الأجهزة الذكية أمام الأطفال، خاصة عند انشغال الأم عنهم، يدفع الطفل إلى تقليد هذا السلوك، ما يجعل الجهاز أولوية تفوق التفاعل الإنساني.
وحذرت الدكتورة شمس من أن هذا النمط قد يؤدي إلى ما يُعرف بـ«إجهاد الشاشات»، وهو حالة مرتبطة بآثار نفسية وسلوكية سلبية تشمل ضعف التركيز، العصبية، وتراجع مهارات التواصل الاجتماعي. كما لفتت إلى أن الأجيال الحالية، التي نشأت في ظل الإنترنت والتكنولوجيا الرقمية، باتت أكثر ارتباطًا بعالم افتراضي، ما يؤثر على مفاهيم الانتماء والهوية منذ سن مبكرة، خاصة مع غياب الضبط الأسري.
أنماط استخدام مواقع التواصل:
من جانبها، أكدت الدكتورة الشيماء علي عبد العزيز، أستاذ العلوم السياسية، أن الاستخدام المتزايد لمواقع التواصل الاجتماعي بين الأطفال والمراهقين يمثل تحديًا اجتماعيًا ونفسيًا، إذ تُستخدم غالبًا كوسيلة لإلهاء الطفل بدلًا من أداة تواصل أو معرفة.
وأوضحت أن دراسة ميدانية شملت عشر محافظات ركزت على أنماط استخدام مواقع التواصل، وأظهرت أن التأثيرات السلبية تكون أكثر وضوحًا خلال مرحلة المراهقة، بما في ذلك التأثير على الهوية، زيادة الشعور بالعزلة، وضعف الروابط الاجتماعية المباشرة، ما ينعكس سلبًا على عملية التنشئة وبناء الشخصية.
وشددت على أهمية التنسيق بين الجهات الحكومية والمجتمعية لإنشاء منصة موحدة تضم روابط للمبادرات القائمة، بما يسهم في ترشيد استخدام الأطفال والمراهقين لمواقع التواصل، وتعزيز التأثير الإيجابي للتكنولوجيا.
وأكدت الدكتورة عبد العزيز أن مواجهة تحديات العصر الرقمي لا تقتصر على التشريعات أو الرقابة التقنية، بل تبدأ من داخل الأسرة، ومن وعي الأم والأب بدورهما التربوي في تحقيق التوازن بين الاستفادة من التكنولوجيا وحماية الأجيال الجديدة من آثارها السلبية.