اختتمت اللجنة العليا للدعوة الإسلامية بمجمع البحوث الإسلامية، اليوم، فعاليات الأسبوع الدعوي التاسع بالجامع الأزهر الشريف، بندوة كبرى حملت عنوان: "حفظ الأوطان من مقاصد الشريعة"، وذلك بحضور نخبة من كبار علماء الأزهر، على رأسهم: فضيلة الدكتور علي مهدي، أستاذ الفقه وأمين سر هيئة كبار العلماء، والدكتور حسن يحيى، الأمين العام المساعد للجنة العليا للدعوة، والشيخ يوسف المنسي، عضو الأمانة.

الوطن.. التزام لا شعار

في كلمته، أكد فضيلة الدكتور حسن يحيى أن حب الوطن لا يُختزل في الشعارات أو الكلمات، بل يتجسد في العمل الجاد، والمشاركة الفاعلة في تحقيق التقدم والازدهار. وأضاف أن التراث الإسلامي يحمل رؤية متكاملة لبناء الأوطان، مستوحاة من القرآن الكريم والسنة النبوية، وترتكز على ستة أعمدة أساسية:

"دين متبع، وطن ذو سيادة، أمن عام، عدل شامل، خصب دائم، وأمل فسيح"

وشدد على أن كل فرد مسؤول عن تدعيم هذه الركائز في مجاله.

الأمن والاستقرار أساس الشريعة

وأوضح "يحيى" أن مقاصد الشريعة الخمسة (حفظ النفس، والعقل، والدين، والمال، والنسل) لا تتحقق إلا داخل وطن مستقر وآمن، مشيرًا إلى أن كل اعتداء على هذه الكليات هو في جوهره اعتداء على الوطن.

وأكد أن الحفاظ على الوطن لا يتفق مع تخريب الممتلكات العامة، أو تزييف وعي الشباب بالمخدرات والتفاهات، أو بث الانحلال الأخلاقي عبر الإعلام ووسائل التواصل، داعيًا إلى تحصين المجتمع بمنظومة القيم الإسلامية.

الشريعة تُعلي من قيمة الوطن

من جانبه، قال فضيلة الدكتور علي مهدي، أمين سر هيئة كبار العلماء، إن الشريعة الإسلامية نظرت للوطن باعتباره ضرورة لا غنى عنها، مستشهدًا بالآية الكريمة:

"وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم..."

والتي تعكس شدة تعلق الإنسان بوطنه.

وأشار إلى أن الشريعة راعت هذا المعنى في كثير من الأحكام، مثل رخص السفر، والذكاة في الموطن، مؤكدًا أن النبي ﷺ نفسه عبّر عن حبّه العميق لمكة حين قال عند خروجه منها:

"وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ".

الدين والوطن جناحا الأمة

وشدد "مهدي" على أن الدين والوطن ليسا بديلين عن بعضهما، بل هما جناحا أمة متزنة مستقرة. وأضاف أن حب الوطن فطرة متأصلة في المصريين، تتجلى في تضحيات أبنائه في مواجهة الأزمات.

ودعا إلى تعزيز الوعي بالمخاطر التي تُحاك ضد الوطن، محذرًا من الشائعات والحروب النفسية التي تستهدف تفكيك المجتمع، خاصة من الكيان الصهيوني.

"علينا أن نحصّن أبناءنا بالوعي والإيمان، فالوطن نعمة يجب شكرها بحسن العمل، وليس بالشعارات فقط"، قال مهدي.

امتدت فعاليات أسبوع الدعوة الإسلامية التاسع لمدة خمسة أيام، وتضمنت سلسلة من الندوات الفكرية شارك فيها كبار علماء الأزهر، تناولت موضوعات هامة مثل:

أثر اليقين في تحقيق الأمن النفسي

دور الأخوّة والإيثار في تعزيز الاستقرار

الأمانة والمسؤولية كضمان لصون الحقوق

حفظ الأوطان بوصفه مقصدًا شرعيًا رئيسيًا

وذلك ضمن جهود الأزهر الشريف لنشر الوعي الديني الرشيد وتعزيز البناء الفكري والأخلاقي في المجتمع المصري.