تقارير وتحقيقات
مدبولي وملف العشوائيات.. كيف ربطت الدولة الإصلاح الاقتصادي بالبعد الاجتماعي وثقة العالم؟
لم تكن تصريحات الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، اليوم عن ملف العشوائيات مجرد استدعاء لماضٍ اجتماعي مؤلم، بل جاءت كمدخل كاشف لفهم أعمق لكيفية إدارة الدولة المصرية واحدة من أكثر مراحلها الاقتصادية تعقيدًا. مرحلة لم يُفصل فيها الإصلاح المالي عن الواقع الاجتماعي، ولم تُقاس النجاحات خلالها بالأرقام المجردة، بقدر ما قِيست بقدرة الاقتصاد على تغيير حياة الناس، وإعادة رسم صورة الدولة في أعين العالم.
وخلال المؤتمر الصحفي الذي عُقد للإعلان عن إتمام المراجعتين الخامسة والسادسة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي مع صندوق النقد الدولي، وضع مدبولي النقطة الأهم على السطر، مؤكدًا أن المستثمرين الأجانب لا يبنون قراراتهم على الخطاب المحلي أو الرسائل الإعلامية الداخلية، بل على ما تكتبه المؤسسات الدولية عن أداء الدول واستقرارها، وعلى طبيعة التقييمات الواردة في التقارير الاقتصادية العالمية.
وشدد رئيس الوزراء على أهمية إدراك كيف ينظر العالم إلى مصر، وماذا يُكتب عنها في تقارير المؤسسات الدولية، باعتبار أن هذه التقارير أصبحت أحد المحددات الرئيسية لتدفقات الاستثمار الأجنبي وثقة الأسواق العالمية.
إشارات إيجابية من صندوق النقد
وأكد مدبولي أن التقرير الأخير لصندوق النقد الدولي حمل لهجة تفاؤل واضحة تجاه الاقتصاد المصري، مشيرًا إلى أن الصندوق أشاد بخطوات الدولة في مسار الإصلاح، واعتبر أن جهود تحقيق الاستقرار الاقتصادي خلال السنوات الماضية بدأت تؤتي ثمارها، وهو ما انعكس بوضوح في مؤشرات النمو وأداء الاقتصاد الكلي.
ومن أبرز هذه المؤشرات، الارتفاع اللافت في تحويلات المصريين بالخارج، حيث أوضح رئيس الوزراء أن إجمالي التحويلات خلال الأشهر العشرة الأولى بلغ نحو 43 مليار دولار، مقارنة بنحو 23 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العام الماضي، في نمو يعكس تحسن الثقة في الاقتصاد الوطني، وفاعلية السياسات النقدية في جذب التدفقات عبر القنوات الرسمية.
الصادرات وتحول هيكل الاقتصاد
كما أشار مدبولي إلى تطور ملحوظ في ملف الصادرات، مؤكدًا أن البيانات الحالية تشير إلى زيادة تتجاوز 20% في الصادرات غير البترولية، وهو ما يعكس تحولًا تدريجيًا في هيكل الاقتصاد المصري، وتقليل الاعتماد على الموارد التقليدية، مقابل تعزيز دور القطاعات الإنتاجية في توفير النقد الأجنبي ودعم ميزان المدفوعات.
العشوائيات.. الوجه الاجتماعي للإصلاح
وفي ربط مباشر بين الإصلاح الاقتصادي والبعد الاجتماعي، استعاد رئيس الوزراء صورة أوضاع العشوائيات قبل عام 2014، موضحًا أن نحو 300 ألف أسرة كانت تعيش في عشش صفيح بالشوارع، في مناطق أصبحت رمزًا للتهميش، وتم توظيفها لسنوات طويلة في الأعمال الفنية لتجسيد واقع قاسٍ ومأزوم.
وأكد مدبولي أن هذه المناطق شهدت تحولًا جذريًا، وأصبحت اليوم نماذج واضحة لتدخل الدولة المباشر في تحسين مستوى المعيشة، وتوفير سكن آمن وخدمات متكاملة، في إطار فلسفة ترى أن الإصلاح الاقتصادي لا يكتمل دون إصلاح اجتماعي يلامس حياة المواطن.
نظرة للمستقبل
وفي السياق ذاته، شدد وزير المالية أحمد كجوك على أن الحكومة تستهدف خلال المرحلة المقبلة تحقيق تحسن ملموس في حياة المواطنين، مؤكدًا أن أداء الاقتصاد المصري سيكون أفضل خلال عام 2026، في إشارة إلى أن ما تحقق حتى الآن يمثل مرحلة تأسيس لمسار أكثر استدامة.
معادلة دقيقة
وتكشف مجمل هذه التصريحات أن إدارة مصر لمحطاتها الاقتصادية لم تكن منفصلة عن الاعتبارات الاجتماعية أو عن صورة الدولة خارجيًا، بل قامت على معادلة دقيقة:
إصلاح اقتصادي يُقاس بثقة المؤسسات الدولية، ونمو ينعكس في مؤشرات حقيقية، وتحسن تدريجي في حياة المواطن، وهي المعادلة التي تسعى الدولة إلى ترسيخها في واحدة من أكثر الفترات الاقتصادية حساسية وتعقيدًا.