تقارير وتحقيقات
النمل الأبيض.. تهديد صامت للمنازل والبيئة واستراتيجية متكاملة للمواجهة
في صمت تام ومن خلف الجدران والأرضيات، تتحرك واحدة من أخطر الحشرات التي تهدد المنازل والبنية التحتية والبيئة معًا، وهي النمل الأبيض أو ما يُعرف بـ«الآفات الخشبية». وتزايدت المخاوف من هذه الحشرة في السنوات الأخيرة، بعد أن تسببت في خسائر اقتصادية جسيمة وأضرار بيئية ملموسة.
وفي هذا الإطار، أكدت منال عوض، رئيسة مجلس هيئة البيئة، أن النمل الأبيض يُعد من أكثر الآفات تدميرًا للمنازل والمنشآت الخشبية، نظرًا لقدرته على إحداث تلفيات كبيرة قد تصل قيمتها إلى ملايين الجنيهات سنويًا. وأوضحت أن الخطر لا يقتصر على انتشاره فقط، بل على طبيعة تغذيته التي تعتمد على المواد الغنية بالسليلوز مثل الخشب والورق، بل وبعض أنواع البلاستيك، ما يجعله تهديدًا مباشرًا لكل من الممتلكات العامة والخاصة.
وأضافت عوض أن النمل الأبيض يعيش ضمن مستعمرات ضخمة ومنظمة بدقة، تضم طبقات من العمال والجنود والملكة، التي تضع البيض باستمرار، ما يزيد من صعوبة القضاء عليه. ومن أبرز التحديات أن الحشرة قادرة على التهام الخشب من الداخل دون أن يلاحظ السكان وجودها، لتظهر الأضرار فجأة بعد فوات الأوان.
انتشار خفي وتأثير متعدّد
توضح رئيسة هيئة البيئة أن الرطوبة تُعد العامل الأساسي في انتشار النمل الأبيض، إلى جانب الأخشاب المتساقطة والأرضيات الخشبية. ويمكن أن ينتقل من الأشجار المصابة إلى المباني السكنية والتجارية، كما يهدد البيئة الزراعية بتغذيته على جذور الأشجار، مما يقلل إنتاجية النباتات ويهدد التوازن البيئي والأمن الغذائي في بعض المناطق.
مواجهة متعددة المسارات
وأكدت عوض أن مواجهة النمل الأبيض تتطلب استراتيجية متكاملة، تبدأ بالمراقبة الدورية للمباني والأشجار، مرورًا باستخدام مبيدات متخصصة تراعي معايير السلامة البيئية والصحية، وصولًا إلى رفع وعي المواطنين بعلامات الإصابة وسبل الوقاية.
وأشارت إلى أن الوقاية تعد الخيار الأكثر فاعلية، من خلال استخدام أخشاب معالجة مقاومة للحشرات، والحفاظ على جفاف المنازل، والفحص الدوري للمباني القديمة، إلى جانب عدم تخزين الأخشاب أو المواد العضوية بالقرب من المباني.
وعي مجتمعي وحلول مبتكرة
وفي إطار المواجهة الشاملة، أشارت عوض إلى إطلاق حملات توعوية تستهدف المدارس والمجتمعات المحلية لتعليم المواطنين كيفية اكتشاف العلامات المبكرة للإصابة مثل الأنفاق الطينية على الجدران أو تلف الخشب، مؤكدة أن التدخل المبكر يقلل الخسائر ويسهل السيطرة على الحشرة.
كما تعمل الهيئة على تبني حلول مبتكرة تشمل أساليب المكافحة البيولوجية باستخدام مفترسات طبيعية أو مواد آمنة بيئيًا للقضاء على المستعمرات دون الإضرار بالنظام البيئي، إلى جانب برامج رقابية لفحص الأراضي الزراعية والمباني العامة بالتعاون مع خبراء البيئة والزراعة.
وختمت عوض حديثها بالتأكيد على أن النمل الأبيض يمثل تحديًا بيئيًا واقتصاديًا متصاعدًا، إلا أن مواجهته ممكنة من خلال تكاتف الجهود بين المواطنين والجهات الحكومية، والاعتماد على العلم والتكنولوجيا والتوعية المجتمعية، لحماية الممتلكات والحفاظ على البيئة للأجيال القادمة.