تقارير وتحقيقات
عودة مرض الدفتيريا تثير قلقًا عالميًا: تفشٍ مقلق في إفريقيا وتحذيرات من تراجع التلقيح
بعد عقود من التراجع والسيطرة بفضل برامج التلقيح، عاد مرض الدفتيريا، المعروف عربيًا باسم “الخُناق”، ليظهر مجددًا في عدد من الدول، مثيرًا قلقًا صحيًا إقليميًا ودوليًا، في ظل ارتفاع أعداد الإصابات والوفيات، خاصة في بعض الدول الأفريقية التي تعاني من ضعف الأنظمة الصحية وتراجع التغطية باللقاحات.
وتُعد الدفتيريا من الأمراض التنفسية شديدة العدوى، وتسببها بكتيريا تُعرف باسم “الوتدية الخناقية”، ويمكن أن تصيب الجهاز التنفسي أو الجلد. وتكمن خطورة المرض في مضاعفاته التي قد تهدد الحياة، لا سيما لدى الأطفال غير الملقحين، وكبار السن، والأشخاص ذوي المناعة الضعيفة.
ويتميّز الخناق التنفسي بتكوّن غشاء رمادي سميك يغطي الحلق واللوزتين وقد يمتد إلى الحنجرة، ما يؤدي إلى صعوبة شديدة في التنفس وقد يصل إلى انسداد مجرى الهواء. كما تُفرز البكتيريا سمومًا قوية قد تصيب القلب والكلى والجهاز العصبي، مسببة فشلًا قلبيًا أو شللًا أو حتى الوفاة في حال عدم التدخل الطبي السريع.
وينتقل المرض بسهولة عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح والأدوات الملوثة، كما قد يحمل بعض المصابين البكتيريا دون ظهور أعراض واضحة، مما يزيد من صعوبة احتواء التفشي. ويصبح المريض غير معدٍ عادة بعد 48 ساعة من بدء العلاج بالمضادات الحيوية، بشرط الالتزام الكامل بالخطة العلاجية.
ويصنف الأطباء الدفتيريا إلى نوعين رئيسيين: الخناق التنفسي، وهو الأكثر شيوعًا وخطورة، ويصيب الأنف والحلق والحنجرة، والخناق الجلدي الذي يظهر في صورة بثور أو قروح ملوثة، خاصة في البيئات الفقيرة صحيًا. وتبدأ الأعراض عادة بعد فترة حضانة تتراوح بين يومين وخمسة أيام، وتشمل ارتفاع الحرارة، والإرهاق، وآلام الحلق، وصعوبة البلع، وبحة الصوت، وتورم الغدد اللمفاوية بالرقبة، وقد تتطور في الحالات الشديدة إلى مضاعفات قلبية وعصبية خطيرة.
ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، تم الإبلاغ عن أكثر من 20 ألف حالة مشتبه بها من الدفتيريا في ثماني دول أفريقية خلال الفترة من 1 يناير إلى 2 نوفمبر 2025، من بينها 1252 حالة وفاة، بنسبة وفيات تقارب 6%. وأشارت المنظمة إلى أن هذه الفاشيات تشكل تحديًا كبيرًا بسبب النقص الحاد في مضاد سموم الدفتيريا، وضعف القدرات العلاجية في بعض الدول، لا سيما تلك المتأثرة بالنزاعات أو الكثافة السكانية المرتفعة.
وأكدت المنظمة أن المخاطر الإقليمية للتفشي تُصنف على أنها “مرتفعة”، في حين لا تزال المخاطر العالمية “منخفضة”، بفضل برامج التحصين وأنظمة الترصد الوبائي الفعالة في معظم دول العالم خارج القارة الأفريقية.
ويُعد التلقيح خط الدفاع الأول والأكثر فاعلية للوقاية من الدفتيريا والحد من انتشارها، إذ يتطلب بناء مناعة كافية تلقي جرعات أساسية ومعززة من اللقاح. وتشير تقديرات عام 2023 إلى أن 84% من الأطفال حول العالم تلقوا الجرعات الثلاث الموصى بها، بينما لا يزال 16% دون تغطية كافية، مع تفاوت كبير بين الدول والمناطق.
وأوضحت منظمة الصحة العالمية أن جائحة كوفيد-19 أدت إلى تعطيل برامج التمنيع الروتيني وأنشطة الترصد، ما ترك ملايين الأطفال عرضة للإصابة بأمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات، وعلى رأسها الدفتيريا.
ورغم أن المرض لم يختفِ بالكامل من أي إقليم عالمي، فإن عودته القوية في بعض المناطق تُعد مؤشرًا خطيرًا على هشاشة الإنجازات الصحية، وتؤكد أن الحفاظ على معدلات تلقيح مرتفعة وتعزيز أنظمة الرعاية الصحية يظلان السبيل الأهم لمنع عودة أمراض اعتُقد طويلًا أنها أصبحت من الماضي.