تقارير وتحقيقات
قرار وزاري يعيد الطمأنينة للعمال: أولوية مطلقة للمستحقات عند إفلاس المنشآت
في صباحٍ يحمل ملامح الطمأنينة بعد قلقٍ طال، جلس عاملٌ بسيط يتابع الأخبار باحثًا بين العناوين عن خبر يعيد إليه حقًا خشي أن يضيع. ولم يكن وحده؛ فآلاف العمال ارتبطت أرزاقهم بمصير منشآت أُغلقت أو صُفّيت أو أُعلنت إفلاسها. وفي لحظة فاصلة، جاء القرار الذي أعاد ترتيب المشهد، ووضع الإنسان في صدارة الحسابات قبل الأرقام والميزانيات.
فقد أعلن وزير العمل محمد جبران صدور القرار الوزاري رقم (259) لسنة 2025، في خطوة حاسمة تستكمل البناء التنفيذي لقانون العمل الجديد رقم 14 لسنة 2025، مؤكدًا أن نهاية المنشأة لا تعني نهاية الحقوق، وأن علاقة العمل لا تُمحى بإغلاق الأبواب أو تعليق اللافتات.
ويحمل القرار رسالة واضحة مفادها أن العامل ليس طرفًا هامشيًا في معادلة الإنتاج، بل جوهرها. إذ نص صراحة على أحقية العمال في جميع الأجور والمستحقات، بما يشمل الإجازات والتعويضات والمكافآت والتسويات وكافة الحقوق المقررة قانونًا أو تعاقديًا أو قضائيًا، على أن تظل واجبة السداد مهما تغيّر الوضع القانوني للمنشأة.
ولم يكتفِ القرار بالاعتراف بالحق، بل منح مستحقات العمال أولوية مطلقة على جميع أموال المنشأة، متقدمة على أي التزامات أخرى، بما فيها المستحقات السيادية، في سابقة تشريعية تعزز العدالة الاجتماعية وتحمي الفئات الأكثر تضررًا.
وفي إطار تنظيم الإجراءات، وضع القرار مسارًا زمنيًا منضبطًا يقطع الطريق أمام التسويف أو التلاعب، حيث ألزم صاحب العمل أو المصفّي أو أمين التفليسة بحصر مستحقات العمال خلال مدة لا تتجاوز 30 يومًا من صدور الحكم أو القرار، مع الالتزام بالوفاء الفوري بها حال توافر السيولة، أو سداد المتاح وجدولة المتبقي خلال فترة لا تتجاوز عامًا واحدًا.
كما أولى القرار أهمية كبرى للرقابة، إذ أسند لمديريات العمل دورًا محوريًا في المتابعة والتنفيذ، من خلال إلزام أصحاب الأعمال بتقديم تقارير شهرية توضح ما تم صرفه من مستحقات، على أن تتولى المديريات مراجعتها ورفع تقارير دورية إلى ديوان عام الوزارة، بما يضمن الشفافية والمحاسبة.
وفتح القرار الباب أمام التدخل الفني عند الضرورة، عبر الاستعانة بخبراء ماليين أو فنيين لترتيب المستحقات وضمان دقة الصرف، مع التأكيد على بطلان أي إجراء يُخل بحقوق العمال، وإتاحة اللجوء إلى القضاء في حال المخالفة.
بهذا القرار، لا تُغلق المنشآت وحدها، بل يُغلق باب القلق أمام عاملٍ كان يخشى أن يُقصى من المعادلة. تقرير يُكتب بلغة القانون، لكنه يُقرأ بطمأنينة إنسانية، عنوانها أن الحق لا يسقط، وأن العدالة لا تُصفّى.