تقارير وتحقيقات
جدل على مقاعد المواصلات: الخلاف بين الأجيال يحتاج إلى وعي وإتيكيت
في صباح مزدحم، كان الزحام المعتاد في الحافلة يشمل وجوهًا متعبة وحقائب متلاصقة وأنفاسًا تتقاطع في مساحة ضيقة، حتى تحولت لحظة عابرة إلى جدل حين التقت نظرات رجل مسن بفتاة شابة، وتداخل الحق في الراحة مع الحق في المساحة الشخصية.
لم يكن المشهد مجرد خلاف على مقعد، بل تجسيدًا لصراع أعمق بين الأجيال حول الاحترام والحقوق داخل الأماكن المشتركة. ومع انتشار الواقعة على مواقع التواصل الاجتماعي، انقسم الرأي العام بين من دافع عن حق كبار السن في التقدير، ومن تمسك بحق الشباب في المساحة الشخصية، لتكشف الواقعة عن أزمة أوسع تتعلق بثقافة التعامل والسلوك العام داخل المواصلات، التي تعكس واقع المجتمع بكل ضغوطه وتنوعه.
وجهة نظر خبيرة الإتيكيت
ترى دعاء فوزي، خبيرة الإتيكيت والعلاقات الاجتماعية، أن الواقعة تعكس غياب قواعد التعامل الإنساني في المواقف الضاغطة، مؤكدة أن المواصلات العامة تُعد اختبارًا يوميًا للأخلاق والذوق العام، حيث يجتمع التعب والزحام وضيق الوقت، ما يتطلب قدرًا أكبر من الوعي وضبط النفس.
وأضافت أن احترام كبار السن قيمة راسخة في المجتمع، لكن فرضه بأسلوب هجومي أو مهين يحوّل الموقف إلى أزمة مفتوحة. وفي المقابل، تمسك بعض الشباب بحقوقهم دون مراعاة ظروف الآخرين يعكس خللًا في الوعي الاجتماعي، مشددة على أن الإتيكيت يتركز في إدارة الموقف بهدوء واحترام دون تصعيد أو إحراج للطرف الآخر.
إتيكيت كبار السن والشباب
أوضحت فوزي أن العمر يمنح مكانة معنوية، لكنه لا يبرر الغضب أو التوبيخ العلني، وأن الطريقة الهادئة في الطلب غالبًا ما تكون أكثر تأثيرًا في دفع الآخرين للاستجابة طوعًا. أما الشباب والفتيات، فلابد من إدراك أنهم قد يتعاملون مع كبار السن المتعبين أو المرضى، والمبادرة بالتنازل عن المقعد تُعد من أرقى صور السلوك الإنساني، دون الشعور بالإجبار أو الذنب.
الكلمة والنبرة: مفتاح إدارة الموقف
أكدت الخبيرة أن معظم المشكلات داخل المواصلات تبدأ من طريقة الحديث لا الفعل نفسه، فالكلمة القاسية أو نظرة الاستعلاء قد تشعل الخلاف، بينما الحوار الهادئ واختيار الألفاظ المناسبة يمكن أن يحل الموقف قبل التصعيد.
كما حذرت من خطورة تصوير هذه الوقائع ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ تتحول من موقف إنساني بسيط إلى مادة للجدل والاستقطاب، وتنتهك خصوصية الأطراف، وتغذي الصراع بين الأجيال بدل نشر الوعي أو تقديم حلول عملية.
أكدت دعاء فوزي أن الاحترام طريق ذو اتجاهين: فالكبير مطالب بالحكمة والهدوء، والشاب بالمبادرة والتقدير، مشيرة إلى أن المواصلات العامة، رغم زحامها وضغوطها، يمكن أن تصبح مساحة للتعايش الإنساني إذا التزم الجميع بقواعد الإتيكيت البسيطة المبنية على الذوق، الرحمة، واحترام الآخر.