الدكتورة نادية مصطفى تكتب: روسيا وأوكرانيا.. تاريخ من العداوة والكراهية .!

رئيس مجلس الإدارة:محمود علىرئيس التحرير: شريف سليمان
حقيقة عودة الموظفين للعمل من المنزل بنظام ”أون لاين” كل أحد التنمية المحلية تعلن الانتهاء من مشروع تطوير ترعة نجع حمادي بسوهاج الأسعار الجديدة للخبز السياحي.. تفاصيل وزير الشباب يصدر قرارًا بإنشاء وحدة الجينوم الرياضي محافظ الجيزة: تطوير طريق مركز التنمية بسقارة والبر الغربي والشرقي لطريق المريوطية موعد تطبيق خفض سعر رغيف الخبز السياحي في الأسواق الداخلية تكشف ملابسات سرقة صيدلية بالقليوبية ضبط عصابة تُصنع مخدر ”الآيس” بالجيزة الصين تأمر ”آبل” بإزالة تطبيقي ”واتساب” و”ثريدز” من متجر التطبيقات الصيني إلغاء رحلات البالون الطائر في الأقصر اليوم 580 طبيبا يتسلمون عملهم بوحدات طب الأسرة في سوهاج شون محافظة البحيرة تستقبل 985 طن قمح مع بدأ موسم التوريد

مقالات

الدكتورة نادية مصطفى تكتب: روسيا وأوكرانيا.. تاريخ من العداوة والكراهية .!

الدكتورة - نادية مصطفى
الدكتورة - نادية مصطفى

تقدم الأزمة السياسية المستحكمة بين أوكرانيا وروسيا تجسيما واقعيا حيا لمشاعر عميقة الجذور من العداء والكراهية والمرارة ... بل ومن الرغبة الدفينة في الثأر والانتقام ورد الاعتبار التي تملا شعوب ومجتمعات جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق تجاه روسيا الاتحادية التي ورثته وتحاول بسياساتها الحالية بعث الروح في دوره وأمجاده ونفوذه وإحياء ما كان له من سابق مكانة دولية كأحد أعظم قطبين في النظام السياسي الدولي الذي نشأ خلال فترة الحرب الباردة ، وذلك قبل ان يتهاوي ويتفكك وينهار.

وهو ما تحس كل هذه الدول التي انفصلت عنه بعد ان كانت جزءا منه بتهديد روسيا العسكري المتنامي لها بما يفتعله رئيسها من ذرائع وأسباب أمنية لا يتوقف عن توظيفها للضغط بها علي مواقفها وقراراتها لقطع الطريق علي اي محاولة منها باتجاه التحالف عسكريا مع الغرب ، وهو ما يدفع الي ذاكرتها بماض بغيض وكئيب خرجت منه، وتتمني ألا يعود ليلقي بظلاله عليها من جديد...

وفي الحقيقة أن جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق كأوكرانيا وغيرها ، ليست وحدها التي تحمل لوريثه الروسي الحالي كل هذا المخزون الهائل من المشاعر العدائية العميقة والمتجذرة ، وإنما تشاركها فيها دول اوروبا الشرقية التي كانت واقعة كلها في الماضي تحت هيمنة الاتحاد السوفيتي المطلقة في إطار رابطة تشاركية غير متكافئة بالمرة سواء كانت من خلال عضويتها في حلف وارسو او في الكوميكون او في غيرهما من المؤسسات التي كرست لهذه التبعية المطلقة للسوفيت ، والتي اكرهت تلك الدول علي الانصياع او الانقياد لها تحت مظلة وحدة أيديولوجية زائفة لا أساس لها من الواقع وهي وحدة الطبقة العاملة في كل هذه الدول والمجتمعات ، وهو الزعم الذي ثبت فيما بعد أكذوبته التي جري الترويج لها عبر عقود طويلة من الزمن وكأنها حقيقة لا تقبل المناقشة..وجاء انهيار الاتحاد السوفيتي لينسف هذا كله معه، ولتسقط أسطورة وحدة العالم الشيوعي مرة واحدة والي الأبد.. بل انه لم يعد هناك عالم شيوعي أصلا بعد أن حدث للاتحاد السوفيتي ما حدث....

وإذا تحدثنا عن تاريخ القمع السوفيتي الوحشي للانتفاضات الوطنية الرافضة لهذه الهيمنة السوفيتية في بولندا والمجر وتشيكوسلوفاكيا في الخمسينات والستينات، واجتياح الاتحاد السوفيتي لها بجحافل مدرعاته ودباباته التي أمكنها قمع الانتفاضات الوطنية التي ثارت ضده في وارسو وبودابست في عام ١٩٥٦ مطالبة بالحرية والاستقلال ، وكما فعل بقوات حلف وارسو في براغ في عام ١٩٦٨ ليصادر به ربيعها نحو الحرية الذي عرف بربيع براغ ، والذي كان قد بدا يتألق ويبهر العالم ويشد انتباهه أليه وقتها ، وليفرض الاتحاد السوفيتي علي تشيكوسلوفاكيا بالقمع الرضوخ والاستسلام ولينتهي ربيع براغ وليطاح بالقيادة السياسية الملهمة والمحركة له ولتلقي نهايتها المحتومة في إنكار تام لحق هذا الشعب الأوروبي العريق في تقرير مصيره ، وفي هذا التاريخ الدموي الحافل بالتنكيل والترويع التفسير الكافي للكثير مما يحدث اليوم من صراعات وأزمات بين روسيا والعديد من دول الجوار ..

دكتورة - نادية مصطفى

فهذه الجذور النفسية العدائية المتأصلة عبر عقود طويلة من القمع والقهر هي منبع مشاعر الكراهية العميقة التي تضمرها كل تلك الدول والمجتمعات لروسيا ولقيصرها الذي يحكمها اليوم َولا يوجد سقف اعلي لطموحاته وتطلعاته نحو مزيد من التمدد والهيمنة في محاولة منه لاسترجاع المكانة الدولية المفقودة للاتحاد السوفيتي القديم..

وللتذكير بالماضي القريب ، فان انتهاء الحرب الباردة كان إيذانا برفض كل هذه المجموعة الكبيرة من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق ودول أوروبا الشرقية ، للشيوعية ونبذهم لها كأيديولوجية ، ورفضهم للدكتاتورية وحكم الفرد والحزب الواحد ، وتحولهم جميعا ودونما استثناء الي الأيديولوجية الليبرالية في السياسة والاقتصاد الحر ، والي الديموقراطية القائمة في أساسها علي التعددية السياسية والحزبية واحترام الحق في الاختلاف كحق أساسي من حقوق الإنسان ، وانطلاقهم الي التحرك في مسارات دولية اوسع وأرحب يجدون فيها أنفسهم ويدافعون بها عن مصالحهم القومية ، وتضمن لهم حريتهم في اختيار ما يناسبهم من سياسات خارجية واستراتيجيات أمنية تبعا لما تفرضه عليهم طبيعة الظروف الدولية المتغيرة..

وإذا كانت أوكرانيا تلقي اليوم بثقلها كله الي جانب الغرب وتستنجد بالولايات المتحدة وحلف الناتو وبدول الاتحاد الأوروبي لدعمها في الرد علي تهديد روسيا العسكري لها بهذا الحشد الهائل من قواتها علي حدودها والذي يخشي المراقبون السياسيون والعسكريون في الغرب ان يكون المقدمة لغزوها وتفكيكها بفصل إقليمها الشرقي عنها ، فلأنها تطبق المثل القائل بان عدو عدوي صديقي ، وهو ما يعني ان أوكرانيا عندما تتقارب مع الغرب فانها تفعل ذلك ليس حبا منها للغرب في حد ذاته بقدر ما هو تعبير عن كراهيتها لروسيا وعن رفضها لكل ما ترمز اليه سياسات رئيسها بوتين.

وكذلك من منطلق ان هذا التقارب مع الغرب هو أفضل الخيارات السياسية والاستراتيجية والأمنية المتاحة حاليا أمامها وإنها لا تملك في مثل الظروف الحرجة والصعبة التي تواجهها ترف التردد او الانتظار لتجد نفسها بعدها في وضع امني لا تحسد عليه... ومن هنا، فان انضمام أوكرانيا الي حلف الناتو قد يكون مسالة وقت لا أكثر ، كما تؤشر بذلك قرارات مجموعة الدول الكبرى السبع في اجتماع وزراء خارجيتها منذ ايام في ليفربول ببريطانيا ، ولتلحق بدول أوروبا الشرقية التي سبقتها في الدخول الي هذا الحلف الذي يضم حاليا في عضويته ثلاثين دولة وهو ما يجعل منه الحلف الدولي الأكبر والأقوى والأطول عمرا في التاريخ...

هذه هي الجذور النفسية الكامنة تحت السطح في سلوكيات وسياسات الدول بكل ما يمكن لهذه الجذور ان تفرزه او تفضي اليه من نتائج وتأثيرات وتداعيات ، جذور أساسها الخوف الي حد الرعب من السقوط مرة أخري في براثن سيطرة استعمارية غاشمة لا ترحم ، سيطرة كانت هذه الدول المغلوبة علي أمرها هي أكثر من عاني منها في الماضي ودفع ثمنا فادحا لها من حريتها واستقلالها ومن عزتها الوطنية وكبريائها القومي ومن إحساسها بذاتها وقبل هذا كله من حقها وحدها في تقرير مصيرها ومستقبلها.. ..

أوكرانيا هي مجرد حالة واحدة من بين حالات أخري كثيرة تصور بما يدور بينها وبين روسيا اليوم من صراع ساخن قد يقود إلي حرب مسلحة بينهما ،هذا المعني الكبير الذي نحاول هنا إبرازه والتأكيد عليه...فما يحدث ويغيب عن بالنا احيانا السبب الحقيقي الكامن وراءه او المحرك له ، لا يمكن أبدا أن يأتي من فراغ ، وإنما قد يجد أساسه في كثير من الأحيان في حقائق نفسية راسخة تحفل بها ذاكرة التاريخ القريب والبعيد..وهذا هو أعظم ما يمكن ان نخرج به من دراستنا للتاريخ... فهو يفسر الغامض ويكشف المستور....لازالت المعضلة هتستمر....